تاديب الطفل اقتداء الصحابة في تصحيح الأفكار للطفل:
عن أبي الحكم الغفاري -رضي الله عنه- قال: حدثتني جدتي عن عم أبي رافع بن عمرو قال: ) كنت وأنا غلام؛ أرمِ بنخل الأنصار، فقيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن هاهنا غلام يرمي نخلنا، أو يرمي النخل، فأُتي بي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: " يا غلام! لِمَ ترمِ النخل؟ " فقلت: آكل. فقال: " لا ترمِ النخل، وكل مما سقط في أسفلها " قال: ثم مسح رأسي، وقال: "اللهم أشبع بطنه" (.
ونرى هنا مع التصحيح الفكري للطفل وطريقة تُعرّفه الوصول إلى غرضه، فهو يريد أن يأكل من التمر، فدله الرسول -صلى الله عليه وسلم- على طريقة شرعية صحيحة، وهي الأكل مما سقط من الشجرة على الأرض، بدلًا من ضرب الأشجار، وإسقاط الثمر من على الشجرة بغير إذن صاحبها، ثم أتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك التعليم الجميل بالمسح على رأس الغلام، والدعاء له، وهذا أسلوب فريد خرج من مشكاة النبوة.
ونرى في سرد هذه القصة لطائف: وهي تحديث الجدة عن العم للسبط، وهذا دليل ما أكدناه في السابق، من تفاعل الأسرة المسلمة كلها، ومشاركتها في تربية وتهذيب الأبناء والأحفاد، وابن الأخ وابن الأخت، وهذا طريق حفظ العلم، فالراوي أحد الأحفاد للجدة، وروى الحديث عنها، فكان الخير كل الخير للمشتركين في التحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وهذا أنس -رضي الله عنه- يصحح لابنته فكرتها:
أخرج البخاري والنسائي عن ثابت البناني -رحمه الله- قال: ) كنت عند أنس وعنده بنت له، فقال أنس: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تعرض عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله ألك حاجة بي؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها!! واسوأتاه! واسوأتاه! فقال أنس: هي خير منك، رغبت في النبي -صلى الله عليه وسلم- فعرضت نفسها عليه (.
وهذا تطبيق عملي من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للحديث السابق (الأكل مما سقط من الشجرة):
فعن سنان بن سلمة أنه حدث بالبحرين فقال: ) كنت في غلمة بالمدينة، نلتقط البلح، فأبصرنا عمر، وسعى الغلمان (أي: هربوا) وقمت (أي: وقفت ولم أهرب) فقلت: يا أمير المؤمنين! إنما هو ما ألقت الريح. قال: أرني أنظر، فلما أريته، قال: انطلق. قلت: يا أمير المؤمنين! ولّ هؤلاء الغلمان، إنك لو تواريت انتزعوا ما معي، قال: فمشى معي؛ حتى بلغت مأمني (.
فهاهنا نرى اهتمام خليفة المسلمين بالأطفال، وتحريه معهم، وحرصه على معرفة الحقيقة، واستجوابه للطفل بلين وحكمة، ونرى فقه الغلام، مما دل على أن الآباء بلغوا أبناءهم حُكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جواز التقاط البلح الساقط من الشجر على الأرض، ثم جرأة الطفل في طلب المعونة من أمير المؤمنين للوصول إلى بيته بأمان؛ حتى يتخلص من إيذاء رفاقه وأصحابه.
وهنا ابن عمر -رضي الله عنهما- يصحح للأطفال خطأهم، فيبلغهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ففي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: ) أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا، وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من اتخذ شيئًا فيه روح غرضًا (.
وهذا صحابي آخر ينتبه لصلاة طفله، ويصححها له: روى الترمذي عن عبد الله بن مغفل -رحمه الله- قال: ) سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: أي بني، مُحْدِث، إياك والحدث!! قال: ولم أرَ أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعني: منه، قال: وقد صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقولها، فلا تقلها إذا أنت صليت، فقل: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (سورة الفاتحة، الآية 2) (.
وفي آداب الطعام نعلم كيف صحح النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقة طعام الغلام بالتوجيه الفكري، وهكذا نجد أن التصحيح الفكري، وتعليم الطفل، والتحاور معه، وتعليل الأمور له، والشرح له وتفهيمه بأسلوب لين مهذب جميل، ركن قوي في تقليل وقوع الخطأ، وتصحيح مسار الطفل مستقبلًا.