شرح حديث : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
شرح حديث : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
روى البخاري (2067) ومسلم (2557) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ
يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
البسط في الرزق كثرته ونماؤه وسعته وبركته وزيادته زيادة حقيقية .
واختلفت عبارات العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ) .
فقيل : المعنى : حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ .
وقيل : بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْره , وَالتَّوْفِيق لِلطَّاعَاتِ ,
وَعِمَارَة أَوْقَاته بِمَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة , وَصِيَانَتهَا عَنْ
الضَّيَاع فِي غَيْر ذَلِكَ .
وقيل : معناه : بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وقيل : يُكْتَبُ عُمُرُه مُقَيَّدًا بِشَرْطٍ كَأَنْ يُقَالَ : إِنْ وَصَلَ
رَحِمَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا ، فتَكُون الزّيَادَة فِي العُمرِ
زيَادَة حَقِيقِيّة .
راجع : "شرح النووي على مسلم" (16 / 114) – "فتح الباري" (4 / 302)
وهذا القول الأخير هو الراجح ، فيكون معنى الحديث : من أحب أن يبسط له في
رزقه فيكثر ويوسع عليه ويبارك له فيه ، أو أحب أن يؤخر له في عمره فيطول :
فليصل رحمه .
فتكون صلة الرحم سببا شرعيا لبسط الرزق وسعته ، وطول العمر وزيادته ، والتي
لولاها لما كان هذا رزقه ، ولا كان هذا عمره – بتقدير الله تعالى وحكمته -
.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد" (1 / 24) :
" الحديث على ظاهره ، أي : أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول
العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا
ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا
بالنظر للخاتمة ، تماماً كالسعادة والشقاوة ، فهما مقطوعتان بالنسبة
للأفراد فشقي أو سعيد ، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان
بالأسباب شرعاً .
وكما أن الإيمان يزيد وينقص ، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية ، وأن ذلك لا
ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى
الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً " انتهى .
قال الطحاوي رحمه الله :
" يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا
وإن لم تبر كذا ، لما هو دون ذلك ، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا ، وإن
لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا ، وإن عملت كذا حرمت كذا ، وإن لم تعمله
رزقت كذا ، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا
ينقص منه " انتهى .
"بيان مشكل الآثار" (7 / 202) .
وقال
الحليمي رحمه الله في معناه : " أن من الناس من قضى الله عز وجل بأنه إذا
وصل رحمه عاش عددا من السنين مبينا ، وإن قطع رحمه عاش عددا دون ذلك ، فحمل
الزيادة في العمر على هذا " انتهى .
"شعب الإيمان" (6 / 219) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْأَجَلُ أَجَلَانِ " أَجَلٌ مُطْلَقٌ " يَعْلَمُهُ اللَّهُ " وَأَجَلٌ
مُقَيَّدٌ " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ
وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ
الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : " إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ
زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا " وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ؛
لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا
جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (8 / 517) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" معناه : أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره ، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه .
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله
ورزقه وهو في بطن أمه ؛ لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر
وأسبابًا للرزق ، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول
الأجل وسبب لسعة الرزق ، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب ،
هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا
حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا
وجزاءً من الله سبحانه وتعالى " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (98 / 1) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه وصل الله أجله
ورزقه ، وصلاً حقيقياً ، وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله في أجله وفي رزقه "
انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (54 / 13)